آخر الأخبار :

تداعيات موافقة "إسرائيل" على إدخال الدعم القطري لغزة

مقدمة

يعكس ما حدث في شهر كانون الثاني 2019 بشأن ما بات يعرف باسم "المنحة القطرية"، في قطاع غزة، من رفض "إسرائيلي"، تبعه موافقة على دخول المنحة، سياسة "العصا" و"الجزرة" التي تمارسها الحكومة "الإسرائيلية" بشأن القطاع، بينما يعكس رفض حركة المقاومة الإسلامية "حماس" استلام هذه المنحة، بالطريقة السابقة، ثم قبولها بآلية توزيع جديدة، رغبة الحركة، بالرد أيضًا بسياسة موازية تجمع "التشدد" و"الانفتاح"، ولكن كل هذا لا يلغي الاتفاق الضمني بين الأطراف الثلاثة: "إسرائيل"، وقطر، و"حماس"، وما له من دلالات وتداعيات سياسية، تشكل تطورًا سياسيًا غير مسبوق.

سمحت "إسرائيل" بإدخال الدفعتين الأولى والثانية من المنحة القطرية في تشرين الثاني وكانون الأول 2018، مقابل ضبط الأمن على حدود قطاع غزة، وإنهاء مسيرات العودة. وعطّلت إدخال الدفعة الثالثة في كانون الثاني 2019، على خلفية التصعيد الأمني على حدود القطاع، ومن ثم وافق المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينت) خلال جلسة خاصة على تحويل هذه الأموال إلى قطاع غزة[1]، وفق شروط جديدة لتوزيع المنحة، أهمها منع "حماس" وصول الفلسطينيين إلى السياج الأمني ووقف مسيرات العودة[2]، إلا أن الحركة رفضت شروط "إسرائيل". ووزع القطريون الدفعة الثالثة على حالات إنسانية في القطاع على خلاف الدفعتين الأولى والثانية. كما صُرفت المنحة الرابعة لـ 55 ألف أسرة فقيرة بغزة بتاريخ 11/3/2019.[3]

تسعى الحكومة "الإسرائيلية" بشكل مستمر إلى تكريس الانقسام، وضبط الأمن، وإنهاء مسيرات العودة، وتبرز حاجة الاحتلال لإدخال المنحة القطرية كإحدى أدوات الضغط على "حماس"، ومحاولة فرض شروط جديدة عليها في حال التوصل إلى هدنة طويلة.

المنحة القطرية لقطاع غزة

بدأت وزارة المالية، في قطاع غزة، يوم الإجازة الرسمية، الجمعة 9/11/2018، بصرف الدفعة الأولى من المنحة القطرية، إذ أدخِل 15 مليون دولار في ثلاث حقائب بمركبة السفير القطري محمد العمادي عبر معبر بيت حانون (إيرز)[4]، وشملت الدفعة 27 ألف موظف مدني، في حين صُرِفت رواتب الموظفين المستثنين من المنحة، بناءً على اعتراضات الجانب "الإسرائيلي" الذي اطلع بموجب اتفاق إدخال الأموال على كشوفات الأسماء الخاصة بالمستفيدين، من الإيرادات المحلية.[5]

عينت حركة حماس عقب أحداث الانقسام في العام 2007 نحو 40 ألف موظف حكومي بهدف إدارة شؤون قطاع غزة[6]، وكان من المقرر استمرار هذه المنحة مدة 6 أشهر بقيمة 150 مليون دولار، تتضمن منحة الرواتب والأسر الفقيرة بقيمة 15 مليون دولار، و10 مليون دولار للوقود شهريًا.

استمرت مسيرات العودة الكبرى، التي بدأت في نهاية أذار 2018 في فعالياتها الأسبوعية، وتوافدت الجماهير الفلسطينية على مخيمات العودة الخمسة من أجل المشاركة في فعاليات الجمعة (33) للمسيرات يوم صرف الدفعة الأولى من المنحة تحت عنوان "المسيرة مستمرة"، لكن اختفت مظاهر إشعال الإطارات المطاطية، كما لم تُطلق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة باتجاه البلدات "الإسرائيليّة" المحاذية للقطاع، وتوقفت محاولات اقتحام السياج الحدودي الفاصل[7]. وقد صرحت حركة حماس على لسان يحيى السنوار، قائد الحركة في قطاع غزة، أنه "لا يوجد أي اتفاق جديد بين حركته و"إسرائيل"، وأن مسيرات العودة تغير من أدواتها، لكنها متواصلة حتى تحقيق كامل أهدافها بكسر الحصار والعودة وتحرير فلسطين"[8]"، ما يشير إلى أن حركة حماس ضبطت الميدان.

استمر صرف الدفعة الثانية مع استمرار حالة الهدوء، وبعودة التصعيد على الحدود، رفضت "إسرائيل" إدخال المنحة الثالثة، إذ أفادت وسائل إعلام "إسرائيلية"، بتاريخ 7/12/2019، أن رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو، أمر بوقف نقل أموال الدفعة الثالثة من المنحة القطرية إلى قطاع غزة، بعد إطلاق صاروخ باتجاه مدينة عسقلان التي كان من المقرر صرفها بداية الشهر ذاته.[9] وهذا ما يفسر أن الهدف الأساسي من موافقة حكومة نتنياهو على إدخال المنحة هو المال مقابل الهدوء. ومن جانب أخر، محاولة نتنياهو قطع الطريق على خصومه في المعارضة، خاصة في ظل ازدياد الضغوط عليه مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية في نيسان 2019، واتهام خصومه له بأنه لا يستخدم سياسة حازمة في وجه حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع.

هددت حركة حماس حكومة نتنياهو أن عدم إدخال الدفعة الثالثة سيزيد من حالة التوتر على الحدود مع قطاع غزة، إذ ادعت الإذاعة العبرية، بتاريخ 14/1/2019، بأن مصدرًا مسؤولًا في "حماس" صرح للإذاعة، بأنه إذا استمر الاحتلال في تجميد إدخال الدفعة الثالثة فإن الأوضاع الأمنية ستتجه نحو مزيد من التدهور.[10]

"إسرائيل" تشترط و"حماس" ترفض

بعد موافقة نتنياهو على إدخال الدفعة الثالثة من المنحة بشروطه الجديدة، منها وقف مسيرات العودة، وتحويل الأموال عبر البنوك، وهو ما ترفضه السلطة الفلسطينية، وتسليم "إسرائيل" لائحة بأسماء الحالات الإنسانية المستفيدة من المنحة لتحديد من تصرف له ومن يحرم منها، إضافة إلى اشتراط البدء بتسليم أموال المنحة ظهيرة الجمعة، 25/1/2019، لإلهاء الفلسطينيين عن مسيرات العودة.[11]

أضحت المنحة القطرية مرهونة بالتطورات في الميدان، والشروط "الإسرائيلية"، فهي العامل الحاسم على إدخال تلك المساعدات. غير أن "حماس" رفضت تلك الشروط، إذ صرح خليل الحية، نائب رئيس الحركة بغزة في مؤتمر صحفي عقده بنفس اليوم، "نرفض استقبال المنحة القطرية الثالثة، ردًا على محاولة ابتزاز شعبنا، والتملص من تفاهمات التهدئة التي رعتها مصر وقطر والأمم المتحدة"، وأوضحت الحركة أنها لن تكون عرضة للابتزاز السياسي من أجل الانتخابات الإسرائيلية.[12]

في المقابل، صرفت قطر صرفت أموال الدفعة الثالثة على المشاريع الإنسانية لمساعدة الأسر الفقيرة، إذ أعلن العمّادي أن المنحة المالية التي تقدمها بلاده لموظفي "حماس" في غزة توقفت بناء على قرار من الحركة، ووزعت أموالها على نحو 10 آلاف أسرة فقيرة.[13]

الأبعاد والتداعيات السياسية

على الرغم من معارضة بعض الأحزاب "الإسرائيلية" لموافقة نتنياهو على السماح بدخول المنحة القطرية إلى قطاع غزة إلا نتنياهو دافع عن قراره[14]، ولم تكن موافقته عبثية، فهناك أبعاد وتداعيات سياسية مهمة على أكثر من صعيد:

أولًا: سعت "إسرائيل" من خلال قبولها ورفضها للمنحة القطرية إلى "ضبط الأمن"، الذي يعرض حكومة نتانياهو لضغط كبير تجاه توفير الحماية للبلدات "الإسرائيلية" المحاذية لقطاع غزة من ضربات صواريخ المقاومة وإطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة في التظاهرات الأسبوعية، حيث شهدت مسيرات العودة تراجعًا واضحًا لهذه الأدوات بعد دخول المنحة إلى القطاع.

ثانيًا: "إسرائيل" غير معنية بتفجير كارثة إنسانية في قطاع غزة، فهي تحاول إدارة الواقع الاقتصادي ما بين القبول والرفض، إذ صرح آفي ديختر، الرئيس السابق لجهاز المخابرات "الإسرائيلي" العامة "الشاباك"، عبر الإذاعة العبرية أن "إسرائيل غير معنية بانهيار الوضع الإنساني في القطاع، ولا مصلحة لنا في شن حرب ما لم يتعرض أمنها للخطر".[15]

ثالثًا: تجاوب "حماس" مع الهدنة والمنحة القطرية يعني قبولها بفكرة التفاوض غير المباشرة مع "إسرائيل"، والتي تسعى من خلالها الأخيرة إلى اتفاق تهدئة طويل الأمد، والإفراج عن الجنود "الإسرائيليين" الموجودين لدى الحركة.

رابعًا: سعى إسرائيل إلى فرض الحلول الإنسانية بدلًا من الحلول السياسية، خاصة في قطاع غزة ذي الكثافة السكانية العالية، من خلال تخفيف المشكلات الإنسانية، والعمل على تحسين الواقع الاقتصادي، إلى درجة تجعل منه أولوية معيشية، وتأجيل الحلول السياسية إلى أجل بعيد، أو جعلها قابلة للتفاوض أو للتنازل في بعض جوانبها.[16]

خامسًا: تتعامل "إسرائيل" مع قيادتين لشعب واحد في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعمل في هذا السياق على تكريس الانقسام بين "حماس" والسلطة الفلسطينية، وقطع الطريق على إنجاز الوحدة.

سادسًا: عمدت حكومة "إسرائيل" إلى تجاوز السلطة والرئيس محمود عباس لإضعافه والضغط عليه في ظل انهيار المفاوضات، وتعنته فيما يتعلق بقبول السياسة الأميركية إزاء عملية التسوية، وفرض الحقائق على الأرض.

مواقف الأطراف

تحاول السلطة إضعاف سيطرة "حماس" على غزة من خلال الإجراءات التي تفرضها على القطاع، ورفضها إدخال المنحة القطرية، إذ قال واصل أبو يوسف، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لرويترز إن دخول الأموال القطرية بهذه الطريقة يكرس الانقسام ويكرسه، مشيرًا إلى أن منظمة التحرير هي المسؤولة عن الشعب الفلسطيني.[17]

أما حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة منذ العام 2007، فاعتبرت هذه الخطوة هي أولى خطوات كسر الحصار المفروض على قطاع غزة، وانتصار لإرادة الشعب نتيجة التضحيات التي قدمتها مسيرة العودة المستمرة، حيث قال السنوار: "إن جدار الحصار المفروض على قطاع غزة بدأ ينهار، وأن غزة لم تدفع أي ثمن سياسي ولن تعقد أي تفاهمات مع الاحتلال".[18]

كما تستثمر "حماس" مسيرات العودة في التخفيف أو الزيادة من حدة التوتر في معادلة الهدوء مع "إسرائيل" وفق مصالحها، وخاصة في قضية إدخال الأموال إلى قطاع غزة، كما حصل في رسائل الحركة لحكومة نتنياهو بعد رفض السماح بإدخال الدفعة الثالثة. ومن جانب آخر، ساهمت المنحة في تخفيف الأعباء المالية عن الحركة في ظل أزمتها الاقتصادية، وخاصة رواتب موظفيها في القطاع الذين يتقاضون أجزاء من رواتبهم خلال السنوات الماضية، في ظل عدم اعتراف حكومة الوفاق بهم.

أما أحزاب المعارضة "الإسرائيلية" مثل "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، واليمين الجديد بزعامة "نفتالي بينت"، فقد عارضت بشدة سماح نتنياهو بدخول المنحة القطرية، واتهموه بالاستسلام لحركة حماس، وأن هذا الهدوء قصير الأجل، ويجعل "حماس تفرض الهدوء كطريقة لدفع مصالحها إلى الأمام، وأنه يجب العمل على إطلاق سراح الأسرى "الإسرائيليين" المتحجرين لدى حماس كأولوية للحكومة، عبر المفاوضات أو توجيه ضربة قوية للحركة في قطاع غزة بدلًا من نقل الأموال إليهم، والعمل على زيادة قوتهم العسكرية والجماهرية في القطاع، هذا في ظل الصراع الحاد بين الأحزاب المختلفة على الفوز في الانتخابات القادمة.[19]

خاتمة

يبذل نتنياهو جهودًا كبيرة من أجل تأمين الهدوء مع قطاع غزة وبأي ثمن، خاصة بعد تهديدات "حماس" بعدم ضمان الهدوء في مسيرات العودة، وهذا ما قد يجعل موقفه محرجًا في الانتخابات القادمة، لا سيما في ظل تصاعد الأصوات التي تتهمه بعدم قدرته على توفير الهدوء في البلدات القريبة من القطاع.

كما يستغل نتنياهو الصراع بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية في زيادة تكريس الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الضغط على الرئيس عباس في ظل عدم سيطرته على قطاع غزة، والعودة إلى المفاوضات المباشرة، أو التلويح بالدخول في مفاوضات مع "حماس"، إضافة إلى استبدال الحلول الاقتصادية بالحل السياسي.

ستبقى "إسرائيل" تمارس هذا الدور الذي يعزز فصل القطاع عن الضفة، وإبقاء حالة الانقسام في ظل عدم الوصول إلى أي اتفاق حقيقي لإتمام المصالحة بين حركتي فتح وحماس، من أجل تمرير كافة مخططاتها، عبر تهويد القدس والاستيطان، ومواصلة سياساتها الاستعمارية الاحتلالية العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني.




نشر الخبر :
رابط مختصر للمقالة تجده هنا
http://pn-news.net/news10707.html
نشر الخبر : Administrator
عدد المشاهدات
عدد التعليقات : التعليقات
أرسل لأحد ما طباعة الصفحة
التعليقات
الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.