آخر الأخبار :

سياسة التقويض ستأتي بالنتائج العكسية

الحنكة السياسية تتطلب من صانع القرار أن يتحرك بناء على قراءة جيدة للأمر الواقع , وليس أن يتبع النظريات السياسية والتي من الممكن أن تتغير في أي وقت , ولأن السياسة هي علم القيادة والإدارة وصناعة القرار فهي تعتمد على الحسابات الدقيقة والنتائج المؤكدة , ولأنها لا تحترم الوسيلة كما تحترم الهدف , فيجب على كل من يعمل في السياسة أن يتحرر من الإطار النظري ويباشر في الإطار العملي , وأن يتحرك من خلال الواقع بعيدا عن النظريات والغير ثابتة أصلا في علم السياسة .
ربما هذه المقدمة أعلاه تسهل كثيرا في الإبحار عميقا في موضوع التقويض والذي هو عنوان المعركة بين فتح وحماس , فمن خلال تصريحات عزام الأحمد عضو اللجنتين التنفيذية والمركزية , قال أن القيادة الفلسطينية قررت تقويض حكم حماس في غزة كونها (سلطة الأمر الواقع ) وهذه الجملة والتي بين قوسين هي مربط الفرس بالنسبة لأي سياسي محنك , لأنه سيعلم جيدا أن من يحكم بسلطة وأدوات الأمر الواقع سيكون محصننا بكثير من البدائل , وخاصة بأن حماس تكتفي بإدارة قطاع غزة كونها لا تملك القوة خارج حدودها , وأن دولة غزة أصبحت أمرا حتميا وواقعيا نشأ في ظل الإحتلال وترعرع في ظل الإنقسام , بالإضافة الى أن البدائل والتي تتحصن بها حركة حماس قد ظهرت على السطح وتمثلت في مسيرات العودة بكل أشكالها والهدنة مع إسرائيل ودخول الأموال القطرية لغزة , وصولا الى تسوية مع إسرائيل قد تحصنها ضد أي إجراء تقويض تقوم به السلطة .
لم يكن عزام الأحمد وباقي صناع القرار اللذين صرحو بالتقويض يعلمون أنهم سيقدمون خدمة مجانية لحركة حماس في غزة عندما قالو ومن خلال تصريحاتهم أيضا , بأن التقويض سيكون عبر سلسلة إجراءات كان أولها سحب الأمن التابع للسلطة من معبر رفح البري , ومن ثم يكون سحب أمن السلطة من باقي المعابر , ففي ليلة أمس الماضي إنتشر أمن حماس في معبر رفح فور إنسحاب أمن السلطة , وكأن شيئ لم يكن , وهكذا تكون حماس سجلت سيطرة إضافية ضمن ما تسيطر عليه في غزة , وبإرادة السلطة وتحت أنظار المصريين واللذين قررو مواصلة فتح معبر رفح تحت إدارة حماس الجديدة .
بإختصار شديد سياسة التقويض لن تنجح وستأتي بنتائج عكسية , بغض النظر عن أهداف هذه السياسة , فأنا مع الهدف وليس مع الوسيلة , لأن الهدف هو عودة السلطة الى غزة وعودة اللحمة بين شقي الوطن عبرمصالحة حقيقية , ولكن الوسيلة ستكون لها تداعيات خطيرة وردات فعل حذرة وقوية , وخاصة أن حركة حماس تتجرع كلمة تقويض بحساسية شديدة , وستتعامل معها من منطلق "إما أكون أو لا أكون" , ومن هنا ستحاول أن تصنع بدائل إضافية لها في غزة تساعدها على البقاء , وكذلك لا زالت حماس تتحدث بإسم غزة عبر خطابها الإعلامي رغم التراجع الملحوظ في شعبيتها , فهي تقول للرأي العام أن إجراءات السلطة ضد أهل غزة بدلا أن تقول أنها ضد حكمها , كما جاء في تصريح سامي أبو زهري الأخير وما سبقه من تصريحات .
من المؤكد أن طموح حماس البسيط جدا سيحميها من أي إجراء تقويض قد تقوم به السلطة , بمعنى أنه إذا كان التقويض سياسيا فحركة حماس تكتفي بدولة غزة ولا يهمها النفوذ والعلاقات الدولية بقدر ما تهمها غزة , وإذا كان التقويض إقتصاديا فهي تكتفي بجمع الضرائب من غزة لدفع رواتب القسام والموظفين التابعين لها , بالإضافة الى الدعم الخارجي والتي وافقت عليه إسرائيل كأموال قطر وغيرها , وإذا كان التقويض قانونيا فهي لا زالت تعتبر المجلس التشريعي قائما في غزة رغم قرار المحكمة الدستورية بحله , والأهم من كل ذلك كلمة مصر والتي تعتبر مهمة جدا بالنسبة لحماس , لأن مصر تمتلك النفوذ الأكبر في صناعة القرار بالنسبة لحماس , فمن حسن حظها أن مصر الآن تلعب دورا هاما في عملية التسوية بينها وبين إسرائيل , ولهذا مصر مضطرة أن تقدم بعض التسهيلات لحماس مقابل ترويضها لما تخطط له على جميع المستويات .
برأيي أنه يجب أن يكون تفكير السلطة أكثر واقعية , وأن تعلم جيدا أن كلمة تقويض بحد ذاتها قد تجعل من حماس بطلا قوميا أمام الرأي العام , بالإضافة بأنه سيتولد الخوف لدى حما س من هذه الكلمة , وستعزز في خط دفاعها وهجومها ضد السلطة وبالتالي ستكون النتائج عكسية .




نشر الخبر :
رابط مختصر للمقالة تجده هنا
http://pn-news.net/news10183.html
نشر الخبر : Administrator
عدد المشاهدات
عدد التعليقات : التعليقات
أرسل لأحد ما طباعة الصفحة
التعليقات
الرجاء من السادة القراء ومتصفحي الموقع الالتزام بفضيلة الحوار وآداب وقواعد النقاش عند كتابة ردودهم وتعليقاتهم. وتجنب استعمال الكلمات النابية وتلك الخادشة للحياء أو المحطة للكرامة الإنسانية، فكيفما كان الخلاف في الرأي يجب أن يسود الاحترام بين الجميع.